فصل: شعر هند بنت أثاثة في الرد على هند بنت عتبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 مقتل مخيريق

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق ، وكان أحد بني ثعلبة بن الفطيون ، قال ‏‏:‏‏ لما كان يوم أحد ، قال ‏‏:‏‏ يا معشر يهود ، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق ، قالوا ‏‏:‏‏ إن اليوم يوم السبت ، قال ‏‏:‏‏ لا سبت لكم ‏‏.‏‏ فأخذ سيفه وعدته ، وقال ‏‏:‏‏ إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما يشاء ، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقاتل معه حتى قتل ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - مخيريق خير يهود ‏‏.‏‏

 ما فعله الحارث بن سويد

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان الحارث بن سويد بن صامت منافقا ، فخرج يوم أحد مع المسلمين ، فلما التقى الناس عدا على المجذر بن ذياد البلوي ، وقيس بن زيد ، أحد بني ضبيعة ، فقتلهما ، ثم لحق بمكة بقريش ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به ، ففاته ، فكان بمكة ؛ ثم بعث إلى أخيه الجلاس بن سويد يطلب التوبة ، ليرجع إلى قومه ‏‏.‏‏

فأنزل الله تعالى فيه ، فيما بلغني عن ابن عباس ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم ، وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين ‏‏"‏‏ إلى آخر القصة ‏‏.‏‏

 تحقيق ابن هشام فيمن قتل المجُذَّر

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ حدثني من أثق به من أهل العلم ‏‏:‏‏ أن الحارث بن سويد ، قتل المجذر بن ذياد ، ولم يقتل قيس بن زيد ، والدليل على ذلك ‏‏:‏‏ أن ابن إسحاق لم يذكره في قتلى أحد ؛ وإنما قتل المجذر ، لأن المجُذَّر بن ذياد كان قتل أباه سويدا في بعض الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج ، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى من هذا الكتاب

فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه ، إذ خرج الحارث بن سويد من بعض حوائط المدينة ، وعليه ثوبان مضرجان ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان ، فضرب عنقه ؛ ويقال ‏‏:‏‏ بعض الأنصار ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ قتل سويد بن الصامت معاذ بن عفراء غيلة ، في غير حرب ، رماه بسهم فقتله قبل يوم بعاث ‏‏.‏‏

 أمر أصيرم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني الحصين بن عبدالرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن أبي سفيان ، مولى ابن أبي أحمد ، عن أبي هريرة قال ‏‏:‏‏ كان يقول ‏‏:‏‏ حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط ، فإذا لم يعرفه الناس ، سألوه ‏‏:‏‏ من هو ‏‏؟‏‏ فيقول ‏‏:‏‏ أصيرم من بني عبدالأشهل ، عمرو بن ثابت بن وقش ‏‏.‏‏ قال الحصين ‏‏:‏‏ فقلت لمحمود بن أسد ‏‏:‏‏ كيف كان شأن الأصيرم ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ كان يأبى الإسلام على قومه ‏‏.‏‏ فلما كان يوم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد ، بدا له في الإسلام فأسلم ، ثم أخذ سيفه فعدا حتى دخل في عرض الناس ، فقاتل حتى أثبتته الجراحة ‏‏.‏‏

وقال فبينا رجال من بني عبدالأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به ، فقالوا ‏‏:‏‏ والله إن هذا للأصيرم ، ما جاء به ‏‏؟‏‏ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث ، فسألوه ما جاء به ؛ فقالوا ‏‏:‏‏ ما جاء بك يا عمرو ‏‏؟‏‏ أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ بل رغبة في الإسلام ، آمنت بالله وبرسوله وأسلمت ، ثم أخذت سيفي ، فغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني ، ثم لم يلبث أن مات في أيديهم ‏‏.‏‏ فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ إنه لمن أهل الجنة ‏‏.‏‏

 عمرو بن الجموح ومقتله

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن أشياخ من بني سلمة ‏‏:‏‏ أن عمرو بن الجموح كان رجلا أعرج شديد العرج ، وكان له بنون أربعة مثل الأسد ، يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد ، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه ، وقالوا له ‏‏:‏‏ إن الله عز وجل قد عذرك ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه ، والخروج معك فيه ، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك ، وقال لبنيه ‏‏:‏‏ ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة فخرج معه فقتل يوم أحد ‏‏.‏‏

 هند وتمثيلها بحمزة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ووقعت هند بنت عتبة ، كما حدثني صالح بن كيسان ، والنسوة اللاتي معها ، يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدعن الآذان والأنف ، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وآنفهم خدما وقلائد ، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشيا ، غلام جبير بن مطعم ، وبقرت عن كبد حمزة ، فلاكتها ، فلم تستطع أن تسيغها ، فلفظتها ، ثم علت على صخرة مشرفة ، فصرخت بأعلى صوتها فقالت ‏‏:‏‏

نحن جزيناكم بيوم بدر * والحرب بعد الحرب ذات سعر

ما كان عن عتبة لي من صبر * ولا أخي وعمه بكري

شفيت نفسي وقضيت نذري * شفيت وحشي غليل صدري

فشكر وحشي عليَّ عمري * حتى ترمَّ أعظمي في قبري

 شعر هند بنت أثاثة في الرد على هند بنت عتبة

فأجابتها هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب فقالت ‏‏:‏‏

خزيت في بدر وبعد بدر * يا بنت وقاع عظيم الكفر

صبحك الله غداة الفجر * ملهاشميين الطوال الزهر ‏‏

بكل قطاع حسام يفري * حمزة ليثي وعلي صقري

إذ رام شيب وأبوك غدري * فخضبا منه ضواحي النحر

ونذرك السوء فشر نذر *

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ تركنا منها ثلاثة أبيات أقذعت فيها ‏‏.‏‏

 شعر لهند بنت عتبة أيضاً

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقالت هند بنت عتبة أيضاً ‏‏:‏‏

شفيت من حمزة نفسي بأحد * حتى بقرت بطنه عن الكبد

أذهب عني ذاك ما كنت أجد * من لذعة الحزن الشديد المعتمد

والحرب تعلوكم بشؤبوب برد * تقدم إقداما عليكم كالأسد

 تحريض عمر لحسان على هجو هند بنت عتبة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني صالح بن كيسان أنه حُدث ‏‏:‏‏ أن عمر بن الخطاب قال ‏‏:‏‏ لحسَّان بن ثابت يابن الفريعة - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الفريعة بنت خالد بن خنيس ، ابن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج - لو سمعت ما تقول هند ، ورأيت أشرها قائمة على صخرة ترتجز بنا ، وتذكر ما صنعت بحمزة ‏‏؟‏‏ قال له حسَّان ‏‏:‏‏ والله إني لأنظر إلى الحربة تهوي وأنا على رأس فارع - يعني أطمة - فقلت ‏‏:‏‏ والله إن هذه لسلاح ما هي بسلاح العرب ، وكأنها إنما تهوي إلى حمزة ولا أدري ، لكن أسمعني بعض قولها أكفكموها ؛ قال ‏‏:‏‏ فأنشده ‏عمر بن الخطاب بعض ما قالت ؛ فقال حسَّان بن ثابت ‏‏:‏‏

أشرت لكاع وكان عادتها * لؤما إذا أشرت مع الكفر

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وهذا البيت في أبيات له تركناها ، وأبياتا أيضاً له على الدال ، وأبياتا أخر على الذال ، لأنه أقذع فيها ‏‏.‏‏

 استنكار الحليس على أبي سفيان تمثيله حمزة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولقد كان الحليس بن زبان ، أخو بني الحارث بن عبد مناة ، وهو يومئذ سيد الأحابيش ، قد مر بأبي سفيان ، وهو يضرب في شدق حمزة بن عبدالمطلب بزج الرمح ويقول ‏‏:‏‏ ذق عقق ؛ فقال الحليس ‏‏:‏‏ يا بني كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون لحما ، فقال ‏‏:‏‏ ويحك ‏‏!‏‏اكتمها عني ، فإنها كانت زلة ‏‏.‏‏

 أبو سفيان يشمت بالمسلمين

ثم إن أبا سفيان بن حرب ، حين أراد الانصراف ، أشرف على الجبل ، ثم صرخ بأعلى صوته فقال ‏‏:‏‏ أنعمت فعال ، وإن الحرب سجال يوم بيوم ، أعل هبل ، أي أظهر دينك ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ قم يا عمر فأجبه ، فقل ‏‏:‏‏ الله أعلى وأجل ، لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار ‏‏.‏‏

فلما أجاب عمر أبا سفيان ، قال له أبو سفيان ‏‏:‏‏ هلم إلي يا عمر ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر ‏‏:‏‏ ائته فانظر ما شأنه ؛ فجاءه ، فقال له أبو سفيان ‏‏:‏‏ أنشدك الله يا عمر ، أقتلنا محمدا ‏‏؟‏‏ قال عمر ‏‏:‏‏ اللهم لا ، وإنه ليسمع كلامك الآن ؛ قال ‏‏:‏‏ أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر ؛ لقول ابن قمئه لهم ‏‏:‏‏ إني قد قتلت محمدا ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ واسم ابن قمئة ‏‏:‏‏ عبدالله ‏‏.‏‏

 توعد أبي سفيان المسلمين

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم نادى أبو سفيان ‏‏:‏‏ إنه قد كان في قتلاكم مثل ، والله ما رضيت ، وما سخطت ، وما نهيت ، وما أمرت ‏‏.‏‏

ولما انصرف أبو سفيان ومن معه ، نادى ‏‏:‏‏ إن موعدكم بدر للعام القابل ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه ‏‏:‏‏ قل ‏‏:‏‏ نعم ، هو بيننا وبينكم موعد ‏‏.‏‏

 علي يخرج في أثر قريش

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، فقال ‏‏:‏‏ أخرج في آثار القوم ، فانظر ماذا يصنعون وما يريدون فإن كانوا قد جنبوا الخيل ، وامتطوا الإبل ، فإنهم يريدون مكة ، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل ، فإنهم يريدون المدينة ، والذي نفسي بيده ، لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ، ثم لأناجزنهم ‏‏.‏‏ قال علي ‏‏:‏‏ فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون ؛ فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل ، ووجهوا إلى مكة ‏‏.‏‏

 موت سعد بن الربيع

وفرغ الناس لقتلاهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني محمد بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة المازني ، أخو بني النجار ‏‏:‏‏ مَن رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع ‏‏؟‏‏ أفي الأحياء هو أم في الأموات ‏‏؟‏‏ فقال رجل من الأنصار ‏‏:‏‏ أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد ، فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت له ‏‏:‏‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أنا في الأموات ، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام ‏‏.‏‏ وقل له ‏‏:‏‏ إن سعد بن الربيع يقول لك ‏‏:‏‏ جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته ، وأبلغ قومك عني السلام ‏‏.‏‏ وقل لهم ‏‏:‏‏ إن سعد بن الربيع يقول لكم ‏‏:‏‏ إنه لا عذر لكم عند الله إن خُلص إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم ومنكم عين تطرف ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم لم أبرح حتى مات ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وحدثني أبو بكر الزبيري ‏‏:‏‏ أن رجلا دخل على أبي بكر الصديق ، وبنت لسعد بن الربيع جارية صغيرة على صدره يرشفها ويقبلها ؛ فقال له الرجل ‏‏:‏‏ من هذه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذه بنت رجل خير مني ، سعد بن الربيع ، وكان من النقباء يوم العقبة ، وشهد بدرا ، واستشهد يوم أحد ‏‏.‏‏

 الرسول يحزن على حمزة ويتوعد المشركين بالمثلة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني ، يلتمس حمزة بن ‏عبدالمطلب ، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ، ومثل به ، فجدع أنفه وأذناه ‏‏.‏‏

فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى ما رأى ‏‏:‏‏ لولا أن تحزن صفية ، ويكون سنّة من بعدي لتركته ، حتى يكون في بطون السباع ، وحواصل الطير ، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم ‏‏.‏‏ فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل ، قالوا ‏‏:‏‏ والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ولما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة قال ‏‏:‏‏ لن أصاب بمثلك أبدا ‏‏!‏‏ ما وقفت موقفا قط أغيظ إلي من هذا ، ثم قال ‏‏:‏‏ جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة بن عبدالمطلب مكتوب في أهل السماوات السبع ‏‏:‏‏ حمزة بن عبدالمطلب ، أسد الله ، وأسد رسوله ‏‏.‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة وأبو سلمة بن عبدالأسد ، أخوة من الرضاعة ، أرضعتهم مولاة لأبي لهب ‏‏.‏‏

 ما نزل في النهي عن المثلة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني بريدة ابن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن محمد بن كعب القرظي ، وحدثني من لا أتهم ، عن ابن عباس ‏‏:‏‏ أن الله عز وجل أنزل في ذلك ، من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقول أصحابه ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ، واصبر وما صبرك إلا بالله ، ولا تحزن عليهم ، ولا تك في ضيق مما يمكرون ‏‏"‏‏ فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصبر ونهى عن المثلة ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني حميد الطويل ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب ، قال ‏‏:‏‏ ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه ، حتى يأمرنا بالصدقة ، وينهانا عن المثلة ‏‏.‏‏

 صلاته صلى الله عليه وسلم صلاة الجنازة على حمزة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني من لا أتهم عن مقسم ، مولى عبدالله بن الحارث ، عن ابن عباس ، قال ‏‏:‏‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجي ببردة ثم صلى عليه ، فكبر سبع تكبيرات ، ثم أتى بالقتلى فيوضعون إلى حمزة ، فصلى عليهم وعليه معهم ، حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة ‏‏.‏‏

 حزن صفية على أخيها حمزة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد أقبلت فيما بلغني ، صفية بنت عبدالمطلب لتنظر إليه ، وكان أخاها لأبيها وأمها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام ‏‏:‏‏ القها فأرجعها ، لا ترى ما بأخيها ؛ فقال لها ‏‏:‏‏ يا أمه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي ، قالت ‏‏:‏‏ ولم ‏‏؟‏‏ وقد بلغني أن قد مثل بأخي ، وذلك في الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك ‏‏!‏‏ لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله ‏‏.‏‏ فلما جاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ؛ قال ‏‏:‏‏ خل سبيلها ، فأتته ، فنظرت إليه ، فصلت عليه ، واسترجعت ، واستغفرت له ، ثم أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن ‏‏.‏‏

 دفن الشهداء

قال ‏‏:‏‏ فزعم لي آل عبدالله بن جحش - وكان لأميمة بنت عبدالمطلب ، حمزة خاله ، وقد كان مثل به كما مثل بحمزة ، إلا أنه لم يبقر عن كبده - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفنه مع حمزة في قبره ، ولم أسمع ذلك إلا عن أهله ‏‏.‏‏ ‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان قد احتمل ناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة ، فدفنوهم بها ، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وقال ‏‏:‏‏ ادفنوهم حيث صرعوا ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني محمد بن مسلم الزهري ، عن عبدالله ابن ثعلبة بن صعير العذري ، حليف بني زهرة ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على القتلى يوم أحد ، قال ‏‏:‏‏ أنا شهيد على هؤلاء ، إنه ما من جريح يجرح في الله ، إلا والله يبعثه يوم القيامة يدمي جرحه ، اللون لون دم والريح ريح مسك ، انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن ، فاجعلوه أمام أصحابه في القبر - وكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة في القبر الواحد ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ وحدثني عمي موسى بن يسار ، أنه سمع أبا هريرة يقول ‏‏:‏‏ قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ما من جريح يجرح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة وجرحه يدمي ، اللون لون دم ، والريح ريح مسك ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن أشياخ من بني سلمة ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏‏:‏‏ يومئذ ، حين أمر بدفن القتلى ‏‏:‏‏ انظروا إلى عمرو بن الجموح ، وعبدالله بن عمرو بن حرام ، فإنهما كانا متصافيين في الدنيا ، فاجعلوهما في قبر واحد ‏‏.‏‏

 حزن حمنة على حمزة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة ، فلقيته حمنة بنت جحش ، كما ذكر لي ، فلما لقيت الناس نعي إليها أخوها عبدالله بن جحش ، فاسترجعت واستغفرت له ، ثم نعي لها خالها حمزة بن عبدالمطلب فاسترجعت واستغفرت له ، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير ، فصاحت وولولت ‏‏!‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ إن زوج المرأة منها لبمكان ‏‏!‏‏ لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها ، وصياحها على زوجها ‏‏.‏‏